المعز المذل
هو الذي يؤتي الملك من يشاء ويسلبه ممن يشاء، والملك الحقيقي إنما هو في الخلاص من ذل الحاجة وقهر الشهوة ووصمة الجهل، فمن رفع الحجاب عن قلبه حتى شاهد جمال حضرته، ورزقه القناعة حتى استغنى بها عن خلقه، وأمده بالقوة والتأييد حتى استولى بها على صفات نفسه، فقد أعزه وآتاه الملك عاجلا، وسيعزه في الآخرة بالتقريب ويناديه: ''يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي'' الفجر 27 ـ 30
ومن مدّ عينه إلى الخلق حتى احتاج إليهم، وسلط عليه الحرص حتى لم يقنع بالكفاية، واستدرجه بمكره حتى اعتز بنفسه، وبقي في ظلمة الجهل، فقد أذله وسلبه الملك، وذلك صنع الله عز وجل كما يشاء حيث يشاء، فهو المعز المذل، يعز من يشاء ويذل من يشاء، وهذا الذليل هو الذي يخاطب ويقال له: ''ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغرّكم بالله الغرور، فاليوم لا يؤخذ منكم فدية'' الحديد 14/15 وهذا غاية الذل. وكل عبد استعمل في تسيير أسباب العز على يده ولسانه، فهو ذو حظ من هذا الوصف.
المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى لأبي حامد الغزالي